صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد،،،
الثبات على المبدأ:
فلقد قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشر سنوات من الجهاد والصبر والثبات على المبدأ في مكة لم تلن له قناة ولم تهن له عزيمة يدعو إلى الله على بصيرة.
عام الحزن:
ولقد كان يؤازره في هذه الفترة عمه أبو طالب، فقد وقف بجانبه يدافع عنه، ويصد عنه كل عدوان، ويشاركه في تحمل الأذى من المشركين في مكة وظل يحامي ويدافع عنه حتى وفاته.
وبعد موت أبي طالب بقليل من الأيام توفيت زوج الرسول (صلى الله عليه وسلم) خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وقد وقفت بجانب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وآمنت برسالته وشدت من أزره، فحزن عليها حزناً شديداً لوفاة عمه وزوجه، حتى سمي هذا العام بعام الحزن وكان ذلك في العام العاشر من البعثة.
حيث اجتمعت الخطوب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بموت مناصريه عمه وزوجه وصد كفار ثقيف له وإغراء سفهائهم به. عندئذٍ جاء الفرج من السماء، وجاءت التسلية بتلك الرحلة الميمونة رحلة الإسراء والمعراج إحدى معجزاته (صلى الله عليه وسلم) الكبرى التي خلدها التاريخ، وقبله القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، لتكون دليلاً ملموساً من خلال غزو الفضاء المعاصر، لتكون دليلاً على صدق نبوته (صلى الله عليه وسلم) وصلاحية رسالته للعالمين.
الإسراء والمعراج تسرية عن نفس النبي (صلى الله عليه وسلم)
محاربة الدعوة الإسلامية:
إن ما وجده النبي (صلى الله عليه وسلم) من ثقيف لمّا ذهب إليهم داعياً إلى الله، وما صنعوه معه من الأذى حتى أدموا عقبيه، وكيف عاد النبي (صلى الله عليه وسلم) من الطائف مهموم النفس جريح الفؤاد لما ناله من الأذى فذلك أمر يهون، ولكن خوفاً على الدعوة أن لا تجد مكاناً صالحاً لانتشارها فقد كان (صلى الله عليه وسلم) يرجو من وراء رحلته المضنية إلى الطائف خيراً للدعوة ومؤازرة لها، ولكنه وجد أهلها أسوأ من أهل مكة وأجهل وأسفه، ثم حال مشركو مكة بينه وبين دخول بلده، لولا أن أجاره المطعم بن عدي سيد من سادات قريش فتمكن من دخولها والطواف حول الكعبة.
تسرية عن نفسه (صلى الله عليه وسلم):
وفي هذه الغمرة من الأسى والأحزان، وصدود القوم عن الإيمان، ومحاربة الدعوة الإسلامية بكل الوسائل والطرق، وبعد هذه الشدائد المتلاحقة كان من رحمة الله بعبده وحبيبه محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يسرّي عن نفسه الجريحة وفؤاده المحزون، فكان الإسراء والمعراج.
فقد شاهد من آيات ربه الكبرى ما شاهد، وعاين ما عاين من أمارات العناية الإلهية به وبدعوته ما زاده يقيناً إلى يقين بإنجاح دعوته وتبليغ رسالة ربه، ونصره على أعدائه، وأطلعه الله سبحانه وتعالى من ملكوته العظيم على ما أطلعه عليه، مما ملأ نفس الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقلبه نوراً وطمأنينة وصدره ثلجاً وانشراحاً.
رحلة الإسراء والمعراج
يقصد بالإسراء الرحلة التي أكرم الله بها نبيه من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، أما المعراج فهو ما أعقب ذلك من العروج به إلى طبقات السماوات العلا ثم الوصول به إلى حد انقطعت عنده علوم الخلائق من ملائكة وإنس وجن، كل ذلك في ليلة واحدة وقد اختلف في ضبط تاريخ هذه المكرمة الإلهية هل كانت في العام العاشر من بعثته (صلى الله عليه وسلم) أم بعد ذلك والذي رواه ابن سعد في طبقاته الكبرى أنها كانت قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً.
وجمهور المسلمين على أن هذه الرحلة كانت بالجسم والروح معاً، ولذلك فهي من معجزاته الباهرة التي أكرمه الله بها.
أما قصة ذلك فقد رواها البخاري ومسلم بطولها:
وفيها أنه (صلى الله عليه وسلم) أتي بالبراق وهو دابة فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه وفيها أنه (صلى الله عليه وسلم) دخل المسجد الأقصى فصلى فيه ركعتين ثم أتاه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاختار (صلى الله عليه وسلم) اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة وفيها أنه عرج به (صلى الله عليه وسلم) إلى السماء الأولى فالثانية فالثالثة، وهكذا حتى ذهب به إلى سدرة المنتهى، وأوحى الله إليه عندئذ ما أوحى وفيها فرضت الصلوات الخمس على المسلمين وهي في أصلها خمسون صلاة في اليوم والليلة.
خواطر حول الإسراء والمعراج
الإعداد لهذه الرحلة المباركة:
بينما كان رسول الله صلى الله علية وسلم مضطجعاً ـ وهو في مكة ـ فرج عنه سقف بيته (متفق عليه من رواية ابن شهاب عن أنس), ونزل جبريل فشق صدره وغسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدره ثم أطبقه.
الرسول (صلى الله علية وسلم) يمتطي البراق:
وبعدها أتي النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق وهو دابة أبيض طويل يقع حافره عند منتهى طرفه, وكان مسرجاً ملجماً, فاستصعب على الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين أراد ركوبه, فقال جبريل للبراق: "ما يحملك على هذا؟ فوالله ما ركبك أحد أكرم على الله منه. فارفضّ البراق عرقًا" (رواه أحمد والترمذي وابن حبان وإسناده صحيح كما قال أحمد شاكر) وركبه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى أتى بيت المقدس فربطه بالحلقة التي تربط بها الأنبياء (صحيح مسلم).
الرسول (صلى الله عليه وسلم) يصف الأقصى:
وطلب الكفار من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم المسجد الأقصى لأنهم يعلمون أنه لم يرحل مع أهل بلده إلى هناك قط، فجمع أبو جهل قومه فحدثهم الرسول بما رأى، فقال قوم منهم ممن كان قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد: أما النعت فقد والله أصاب. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته, وأنا أنظر إليه" (رواه البخاري).
"فجلى الله لي بيت المقدس" قال ابن حجر معناه كشف الحجاب بيني وبينه حتى رأيته قال: وفي حديث ابن عباس "فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعتُّه (وصفته), وأنا أنظر إليه" وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين إلى سليمان. (الفتح ج 7/200).
خلاصة قصة الإسراء والمعراج
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) مضطجعاً فأتاه جبريل فأخرجه من المسجد فأركبه البراق فأتى إلى بيت المقدس هناك, واجتمع بالأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وصلى بهم إمامًا, ثم عرج به إلى السماوات فاستفتحها جبريل واحدة فواحدة. فرأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) من آيات ربه الكبرى ما رأى.
رأى سدرة المنتهى ورأى جبريل على صورته وله ستمائة جناح, ورأى البيت المعمور, وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسندًا ظهره إليه, والكعبة السماوية, يدخلها كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة, يتعبدون فيه ثم لا يعودون إلى يوم القيامة, ورأى الجنة والنار, وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفاً بعباده وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها. ثم رجع إلى بيت المقدس, فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس, والله سبحانه وتعالى أعلم.
أورد ابن كثير تلخيصاً دقيقاً لما أفادته آيات الكتاب العزيز, وأحاديث النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) بعيداً عن الأقوال المختلفة, والآراء المتعددة, فقال: والحق أنه صلى الله عليه وسلم أسري به يقظة لا مناماً من مكة! إلى بيت المقدس راكباً البراق فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين, ثم أتي بالمعراج, فصعد فيه إلى السماء الدنيا, ثم إلى بقية السماوات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها, وسلّم عليه الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم, حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام.